البداية – الجزء الخامس

كانت ليلة في صيف 2005 , في أوائل أغسطس 2005 … تجمعنا فيها لتنفيذ ما اتفقنا عليه منذ أكثر من اسبوع قبل هذا الموعد .

كنا اتفقنا على دراسة أكثر من تجربة ثورية حدثت في السنوات السابقة و عمل حلقة نقاش للحديث عن تلك التجارب و تفاصيلها و بدايتها و نتائجها و هل نجحت أم فشلت .

كان الموعد بعد حادث هام وهو تقديم مبارك لأوراق ترشحه للفترة الخامسة بعد 25 عاما من الحكم الفاشل و المستبد، ويومها دعت حركة كفاية لمظاهرات ضخمة في ميدان التحرير في يوم ترشيح مبارك للرئاسة و كان يوم 30 يوليو 2005، و لكن تمت محاصرة ميدان التحرير و قامت قوات الشرطة بإحتلال كل سنتيمتر مربع في الميدان، و تم إغلاق مداخل المترو و محاصرة جميع مداخل ومخارج ميدان التحرير، يومها لم يتمكن أحد من التجمع و فشلت كل محاولات التظاهر وتم القبض علي العشرات من ميدان التحرير والشوارع المحيطة، فظللنا نهتف ونجري و نهتف ونجري حتى يتم القبض على مجموعة مننا ثم نهتف ونجري حتي يعتقلوا مجموعة أخرى وهكذا. 

وكان الشعور بالإحباط بعد فشل التظاهر له دافع كبير فى محاولة البحث في تجارب الثورات الحديثة، و كان السؤال المسيطر هو كيف يحدث تغير أو إصلاح في ظل كل هذا القمع الأمني، و كيف نستطع يوما القيام بثورة و نحن حتى لم ننجح في بدء التجمع في الميدان أو في أي مكان أخر، و هل نجح أحد من قبل فى القيام بثورة في ظل ظروف مشابهة و هذا الإحكام التمام للأمن على كل شيء في مصر ؟

كان هذا الإجتماع في مركز الدراسات الإشتراكية الذي كان وقتها المركز الرئيسي لإجتماعات شباب من أجل التغير و بدأت حلقه النقاش حول تجارب التغيير، تحدث البعض عن الثوره الفرنسية التى تعتبر “أم الثورات” و تحدث أحدنا عن الثورة البلشفية، و تحدث أحدنا عن الثورة الإيرانية، وتحدث أحدنا عن الثورة البولندية وكيف بدأ العمال الحراك الثوري، وبالطبع تحدثنا عن ثورات أوروبا الشرقية ابتداء من بولندا و تشيكوسلوفاكيا حتى الثورات التي حدثت من شهور قليلة فى 2004 بأوكرنيا و جورجيا .

كل ثورة لها خصائص مختلفة عن الأخرى، وكل بلد لها ظروف مختلفة عن الأخرى سواء ظروفها الداخلية كتاريخها ومستوى التعليم ودرجة الوعي و التركيبة السياسية وقوة المجتمع المدني، أو ظروف خارجية والوضع الجيوسياسى والظروف والمعاملات المحيطة بدولة ما مما قد يؤثر على ثورتها بالسلب أو الإجاب .

 

 

بعد عام تقريبا من هذه الواقعة وهذا النقاش كنت في سجن طره تحقيق مع مجموعة كبيرة من النشطاء السياسيين المعتقليين على خلفية التضامن مع القضاة بشارع عبد الخالق ثروت فى ابريل 2006 وكان كل أسبوع يتم اعتقال مجموعة من المتضامنين معنا أو المتضامنين مع القضاه .

أعلن النظام عن وحشيته واستبداده خصوصا بعد تصريحات جورج بوش أن مبارك رجل السلام و الديمقراطية في الشرق الأوسط، اعتبر النظام هذه الأشارة بأنها الضوء الأخضر للقمع و اظهار العين الحمراء للمعارضه الغير حزبية أو الغير مستأنسة التى أزعجته منذ 12 ديسمبر 2004 .

كان في هذه الحبسة العديد من الشخصيات الهامة في الحراك الشبابى قبل وبعد 25 يناير، منهم على سبيل المثال و ليس الحصر … كمال خليل، علاء عبد الفتاح، أحمد الدروبي، محمد الشرقاوي، فادي اسكندر، مالك مصطفى، أكرم الايراني، محمد عادل، وائل خليل، ساهر جاد، د .جمال عبد الفتاح، ابراهيم الصحاري، كريم الشاعر، وعشرات الشباب المنتمي لكفاية أو حركة التغيير عموما .

دار نقاش بيننا في الزنازين حول كيفيه التغير ؟ و هل سنستطع فعلا أن نقوم بثورة في يوم من الايام ؟ و كيف سنحصل على جماهير في ظل ذلك التعتيم الإعلامي و التشويه والقبضة الأمنية .

كان يشوب النقاش بعض الإحباط خصوصا بعد تشويه الإعلام الرسمي و الحكومي لنا و بعد تزايد الاعتقالات حتى أن بعض الشباب كان قد كفر بالحل السلمي، و قال احد الشباب باكيا أن النضال السلمي لن يؤدي لأى شيء، فهناك حصار أمني لأي تحرك لنا و لا نستطيع التواصل مع الجماهير , و الناس متأثرة بالتشويه الاعلامي الممنهج , و النظام يتعمد تغييب الوعي و يستغل الأمية و غياب الوعي أسوء أستغلال .

أتذكر كلمات وائل خليل يومها الذي رفض فكرة التخلي عن النضال السلمي، وحذر بشدة من تسلل الإحباط لنا و تحدث عن تجربة الجماعات الإسلامية و الجهادية التي استخدمت العنف لتغيير النظام فما أدى عنفهم إلا إلى عنف اكبر من الدوله، واستطاع النظام إستغلال عنف الجماعات المسلحة لإفقادهم أي تعاطف مع قضيتهم إن كان هناك قضية .

ولكن في هذا اليوم خرجت بنتيجة هامة جدا و هي ضرورة وجود تنظيم يقود الحراك الفترة القادمة، تنظيم شبابي قوي يقود الحراك السلمي المستمر و يساعد على تشجيع الجماهير و يحثهم على تحدي نظام مبارك من أجل المطالبة بالحقوق من اجل ان يتراكم المجهود وتحدث الثوره بمجهود هذا التنظيم وباقى المجموعات والافراد .

ولكن للأسف الشديد لم يكن حال حركة كفاية على ما يرام، ولم تستطيع التوسع في هذه الفترة وإن كان خطاب وبيانات رموز الحركة هو الخطاب الرئيسي للمعارضة الراديكالية، وشهد النصف الثاني من 2006 وكذلك 2007 انكماش كبير لحركه كفاية والحراك السياسي عموما، وكان لحبسة القضاء دور كبير للأسف في هذا الإنكماش، وزادت القبضة الأمنية اكثر ولم يكن مسموح لاي تحركات فى الشارع.

فرض نظام مبارك القواعد الجديدة للعبة وإنصاع الجميع لها، غير مسموح بأي نشاط يكون به تواصل مع الجماهير ومسموح فقط ببعض المؤتمرات أو الوقفات المحدودة على سلالم نقابة الصحفيين ولم تستطيع حركة شباب من أجل التغيير تحمل غياب الرؤية العامة وغياب التخطيط وإزدياد الخلافات الايدلوجية أو الشخصية، ففي عام 2005 كان حلم التغيير وفكرة إسقاط مبارك هى الجامعة ولذلك لم تكن هناك مشكلات كثيرة فى أن يعمل الليبرالي مع الاشتراكي مع الناصري مع الاسلامي.

ولكن بعد فوز مبارك ثم إنعقاد انتخابات مجلس الشعب في عام 2005 ورجوع كل فرد لمعسكره لم يكن هناك مبررات قوية للإتحاد أو الإئتلاف أو الحراك الذى كان في 2005.

ولهذا كان لابد من وجود حركة جديده تقود الحراك السياسي نحو الثورة، ليست مجرد حركة إئتلافية أو شبكية، كتجربة كفاية او شباب من أجل التغيير فى 2005 ولكن يجب أن تكون تنظيم له قواعد وله رؤية و فلسفة و إستراتيجية ولوائح منظمة وأهداف يمكن قياسها .

مع مراعاه أن فكرة الشبكات الغير مركزية أو الغير منظمة كان لها دور هام جداً منذ 2005 وحتى الان لايزال لها دور هام كشبكات المدونين في 2005 وشبكات المدافعين عن الديمقراطية وشبكات النشطاء .

ورغم أهمية الشبكات من النشطاء والمدونين والمدافعون عن الديمقراطية ولكن أيضاً لابد من وجود تنظيم شبابي، فسيكون المجهود مضاعف حين يكون التنظيم جزء من شبكة أكبر بها افراد وتنظمات صغيرة وكبيرة كما أن الإعتماد على مجهود الافراد فقط والمدونين قد يهدر بعض المجهود أو يشتتها.

ولذلك كان لابد من إنشاء 6 ابريل، حركة شبابية ثم إنشائها بعد زخم ضخم وحدث ضخم، حركة منظمة تعمل بتخطيط وليس مجهود عشوائي وتتكامل مجهوداتها مع الاخرين فى الشبكة الأكبر أو التحالف الأكبر أو الحركة الوطنية الأكبر .

ولم أكن وحدي يدرك أهمية إنشاء الحركة، بل كان جهاز أمن الدوله أيضا يدرك ذلك، ولهذا السبب كان همهم الرئيسي بعد يوم 6 ابريل 2008 هو إغلاق جروب الفيس بوك الذي به اكثر من 70 الف عضو، وقد تم إغلاق جروبات أخرى لـ6 ابريل على الياهو والفيس بوك أيضا فى الفترة من 6 ابريل حتى 4 مايو وكان من الواضح انها تم إغلاقها من الداخل او عن طريق أحد المعتقلين، ولذلك كان لابد من الإختفاء وتجنب الإعتقال فى تلك المرحلة، وبصعوبة شديده وافق احد الاصدقاء على تولي إداره الجروب معي بشكل سري بحيث لو تم اعتقالي لايستطعون اغلاق الجروب ويستمر الجروب كما هو.

وقد رفض الكثيرون تولي هذه المسؤولية خوفا من الاعتقال والتعذيب الى أن وافق الزميل عمر الهادي على تولى تلك المسئولية بعد رفض وتخوفات الكثيرون، وحاول بعض الوسطاء والشخصيات السياسية إقناعي باغلاق جروب الفيسبوك وإثنائي عن الاستمرار و إثنائي عن فكرة إنشاء حركة .

وكان العرض من أمن الدوله عن طريق الوسطاء واضح .. “عايز تعيش فى أمان وعايز الناس المحبوسين يخرجوا والموضوع يتقفل .. يبقى اقفل جروب 6 ابريل على الفيسبوك ومفيش حاجة اسمها حركة جديدة ومفيش حاجة اسمها اضراب 4 مايو” .

ولكن للاسف الشديد لم ينجح اضراب 4 مايو، وتم اعتقالي وقتها وكانت حفلة امن الدوله في لاظوغلي، حفلة تثبت عمليا مدى إنحطاط ضباط أمن الدولة وإنعدام ضميرهم وانهم مجموعة من المرضى النفسيين الذين يتلذذون بالتعذيب والقمع .. ليس بغرض الحصول على المعلومة فقط ولكن بهدف الكسر النفسي للضحية والتلذذ بممارسة السادية والتعذيب ضد الاخرين .
 بعد مرور تلك الفترة العصيبة وبعد النجاح فى الحفاط على جروب الفيسبوك وبدء التجهيز لتأسيس حركة شباب 6 إبريل .. لم تكن الأمور بعد ذلك باليسيرة أيضا .لكن كان الرائع وهو وجود مجموعة من الشباب الرائع الذى لم يخاف مما حدث في يوم 6 إبريل وما بعدها من إعتقال وقمع ولم يرهبهم ما حدث لي فى جهاز أمن الدولة من تعذيب وانتهاكات وإهانات .

وبعد ان طرحت فكرة إنشاء الحركة على الجروب، وبعد أن اقترحت أن نخرج للنور و للحياة الواقعية وأن تكون حركة واقعية وليس جروب في العالم الإفتراضي وجدت من يتحمس للفكرة ويعلن أنه سيساهم فيها رغم القمع والارهاب الحكومي، وكانوا عشرات رغم أن جروب الفيسبوك تجاوز الـ 70 ألف عضو، كان الخوف منتشر وليس من السهل على أكونتات الفيسبوك أن يعلنوا عن شخصياتهم الحقيقه، بالإضافة أنه كان هناك من يرفض فكرة الظهور للعلن والخروج من العالم الافتراضي، وهناك من رفض الانضمام منذ البداية لانه لا يهوى الانضمام لتنظمات، وهناك أيضا من قرر العداء من البداية .

ولكن ظهر من اقتنع بالفكرة وقرر العمل على انجاحها رغم القمع والاعتقال، مثل باسم فتحي، اسماء محفوظ، عمرو علي، أمل شرف،  محمد محمود، ندى طعيمة، وميدزى، النديم، خالد المصري،مودي، مصطفى ماهر، محمد عادل، كيري، بسبسة، مصطفى البحيري، محمد عاطف، رامي السويس، محمد سامي، انجي حمدي وعشرات من الشباب المتحمسين الذي يمثل مجموعة المؤسسين الذين اقتنعوا بالفكرة والحلم وساهموا فى تحقيقه .. بعضهم الآن لا يزال في الكيان و بعضهم فَضل أن يكمل حلمه في مكان آخر .
 

ولكن كيف نجعل 6 إبريل حركة مختلفة عن الحركات السابقة؟ كيف نكون أكتر تنظيما؟ كيف نستخدم الاسلوب العملي في التخطيط والتنظيم؟ كيف لا نكرر أخطاء السابقين؟ من السهل أن تؤسس حركة جديدة ولكن كيف تستمر في حين أن هناك حركات تنشأ كل يوم وتختفي؟ 

ولذلك كان لابد من البحث والقراءة، ولذلك كان لابد من التعلم من تجارب الاخرين .
ولهذا كان لابد من دراسة تجارب التغيير في الدول التي سبقتنا وإستطاعت القيام بثورة رغم القمع.

إذا كنا نرغب في إنشاء تنظيم شبابي يقود للثورة في يوم من الايام، تنظيم يتجنب أخطاء الاخرين قدر الإمكان، وتنظيم يستطيع النجاح والوصول للجماهير وإقناعهم بالقضية رغم التصنيف والحصار والقمع .. لذلك لابد من الدراسة والبحث ومعرفة تجارب الاخرين و أخطاؤهم .

فلم تعد الخطابة هي الحل، ولم تعد الكاريزما فقط هي من تحرك الجماهير .. فلابد من الدراسة والقراءة والتعليم .. اذهبو للعلم ولو في الصين، اذهبوا للعلم ولو في شرق اوروبا .

فالعالم متصل ببعضه البعض، فما يحدث في مصر يؤثر في أماكن كثيرة في العالم، وما يحدث في أماكن كثيرة في العالم يؤثر بالطبع في مصر .

 

وللحديث بقية…